طلقة موت .... يقدمها الكاتب / طارق رجب
لعبة الشهداء
كنت قد أوضحت لكم يا أعزائي القراء عن لعبة اسمها الشهداء لابد أن أدخل في أتونها، وأتحمل النار التي ستسلط عليّ ، فأنا كما عهدتموني دائما لا أخاف ولن أخاف، فما عانيته كثير جدا، فقد أراني مبارك وأجهزته من أمن دولة وخلافه الموت ألواناً كألوان الطيف السبعة، ونجوت بأمر ربي من تحت عجلات سيارة دفعها أمن الدولة عليّ، ومن جراحات أجريت لي مازال أثرها متروكا في كل قطعة في جسدي، هذا خلاف عذاباتي داخل السجون، وخرجت منها بأمر ربي قوي الروح مرفوع الرأس رغم ألم الجراح التي تركت ندباً وآثاراً في جسدي داخليا وخارجيا، ولكنني أراها وساما ونياشين أكثر منها تشويها وعلامات سأقف بها أمام ربي مزهواً يوم العرض لأنال منه هو فقط التقدير والثواب والمغفرة.
نأتي إلى الموضوع وهو عدم خوفي، حيث تأكدت من مقولة أن الضربة التي لا تقتلك تقويك، وهذا حدث فعلاً، فأنا قوي ولا أخاف أحدا طالما أنني على حق، وأؤمن شديد الإيمان أن ربي سيحميني دائماً كما حماني في السابق، وإن قُدر لي القتل والموت فهو قدر قدره الله لي ( فأينما تكونوا يدرككم الموت وإن كنتم في بروج مشيدة ) صدق الله العظيم، لذلك أطلق طلقة الموت الآن إلى البلطجية الذين للأسف قيل عليهم شهداء. أولا قبل أن تهاجمني يا قارئي العزيز يجب أن تسمع لي جيداً، يجب أن نفرق بين اثنين، الشهيد الثوري والبلطجي المقتول والذي أخذ لقب شهيد زوراً وبهتاناً ودخل في هوجة الشهداء، والذي لا يعلم بسره إلا الله لحظة موته، فهو الأعلم وهو الذي سيحاسب، وليغفر لي ربي إن أخطأت وليثيبني إن أصبت، فأنا لا أتطرق إلى الشهيد أو القتيل أو بمعنى آخر الشهيد الحقيقي والشهيد الزور. ولكن أقول لك لكي تعرف من هو الشهيد الحقيقي ومن هو الشهيد الزور، أنظر إلى أهل هذا وأهل ذاك، فالبلطجي لم يأتي هكذا دونما سبب أو دون بيئة أفرزته، بمعنى آخر ، أنظر إلى الإناء الذي أتى منه لتحكم وتقرر إن كان صالحا أو طالحا، إن كان ثوريا بحق وقام بالعمل الثوري لأجل بلده دون النظر إلى أي مقابل يأخذه إلا شيئان : وجه الله والوطن، فكم شهداء بالآلاف والملايين استشهدوا واحتسبهم ذويهم عند الله، فهو المعوض وهو المخلف، ولنا في حرب أكتوبر وقبلها حروب 56 و67 والاستنزاف فهذه الحروب ليست بشديدة البعد عنا، لنستنبط منها معنى الشهيد، هل قام أهالي هؤلاء الشهداء باعتصامات؟ هل قطعوا الطرق؟ هل طلبوا ثمنا لاستشهاد ذويهم وعوائلهم وأيضا الشهداء الثوار الحقيقيين من ثوار مصر في الخامس والعشرين من يناير؟ لم يطلب أهليهم ثمنا لدماء أبنائهم ، بل إنني طوال إقامتي في التحرير حتى التنحي وجدت أهالي أفاضل وقفوا في ذات الميدان يرفعون صور فلذات أكبادهم والفرحة والبشاشة على وجوههم، فلن أنسى أبدا أم أحد الشهداء وهي ترفع صورته مبتسمة وجهها يشع نوراً، فربت على كتفها أعزيها ، ففوجئت بها تبتسم " ابني لم يذهب ولم يموت، عاد إلى ربه بعد أن أنار شمعة في أرض بلاده ". بكيت لحظتها وأخذت صورته أقبلها، فحيائي كمسلم منعني من احتضانها وتقبيل رأسها وإن كنت أود ذلك، فهي كانت أمامي كأنها مصر في صورة امرأة وهبت ابنها لكي تعود هي للحياة، هذه ومن هم على شاكلتها هم أهالي الشهداء الثوار الحقيقيين الذين لا يبغون ثمنا أو مقابلا لتضحيتهم وتضحية أبنائهم الذين دفعوا لهم عمرهم فهم من أنجبهم وهم من أرضعهم وهم من علمهم وصرفوا عليهم الغالي والرخيص لكي يتخرج هذا مهندسا وذاك طبيبا وذلك معلما والآخر مدرسا والآخر صانعا، كانت أغلى أمانيهم بعد أن أدوا واجبهم بتعليمهم أن يفرحوا بهم وبزفافهم مثلما يتمنى كل أب وكل أم لتستمر عجلية اليحياة ويشعرون أنهم قد أدوا رسالتهم تجاه أبنائهم وأمام ربهم ويسرون أنهم أدوا الأمانة التي كلفهم الله إياها ، ولحظة الزفاف هي لحظة الفرح ، ليس بزفاف الابن والابنة بقدر ماهي إثبات الانتهاء أمام الله من تأدية الأمانة ونيل شهادة من الله أنهم قد قاموا على هؤلاء الأبناء خير قيام ، ولكن بدلا من أن يتم زفافهم وسط فرحة الجميع، قدموا أبنائهم في عرس آخر وزفاف آخر 0هو زفاف امرأة لم ولن تموت وستعيش أبد الدهر شابة جميلة فتية لا تشيخ ولا يصيبها المرض أوالوهن، زوجوا أبنائهم لأغلى اسم وأغلى بلد أحبها الله وهي مصر وهذا يكفي أن يكون أعظم شرف قدموه وأخذوا الأجر والثواب من الله.
لذلك حدث التواصل بين هؤلاء الشهداء ومن هم على شاكلتهم من الثوار الأحياء سواء نجوا أو أصيبوا، فجميعهم كان بينهم هدف واحد هو بلدهم مصر دون النظر إطلاقا لأي معطيات أو أي ثمن قد يجنوه نظير قيامهم بهذا الأمر ولكن كانوا يؤمنون بأنهم قد يقتلون وقد ينال بسببهم الأذى لأهليهم إن فشلوا، وأنا متأكد من ذلك شديد التأكد لسبب بسيط ، أنني قد مررت بتلك التجارب، فأنا منذ عام 83 وأنا أعاني وأكافح وأحارب وأُسجن وأُعذب وأنجو من حادث مقتلي و..
وقد تبرأت مني أسرتي وعائلتي بعدما عانت وشاهدت وحُرمت من ابنتاي بعد انفصالي المجبر عنهما وعن أمهما رحمة بهما، وخوفا عليهما، وحتى لا أدخل في فتن بسببهما لا أقدر عليها. فأنا خيرت نفسي إما أسرتي أو بلدي، وبما أنني مجنون ومهووس بهذه البلد اخترت بلدي، ولكن لم أستطع نسيانهما أبدا رغم الآلام، وكان أكبر اختبار لي يوم الثامن والعشرون من يناير، فقد شعرت أنني قد أموت في التحرير، لذلك كتبت لهما قصيدة وضعتها في جيبي بحيث يطلعون عليها إن حدث ونلت أعظم كرم يناله إنسان وهو أن يكون شهيدا لمصر، وكان مطلعها هكذا
بحبكم ....بحبكم ...والله والله لسة بحبكم بس اعذروني يا بناتي بحب بلدي أكتر منكم
والقصيدة طويلة، لذلك أعلم كل شيء وأعرف أن الثائر الحق لا يبحث أو يطلب ثمنا أو مقابلا، فأنا أبدا لم أطلب ثمنا لما عانيته، ولكني أحتسبه عند ربي، وما عاناه بنتاي وأمهما وأسرتي وهو أيضا عند الله، ولم أقف في برنامج لأتحدث أو أثير مشاعر الناس وأكسب تعاطفهم ومحبتهم، فأنا مع احترامي الشديد لكم يا أعزائي القراء فأنا لا أريد منكم أو من غيركم الثمن أوالمقابل لما عانيته، لسبب بسيط هو أنني قد وهبته طواعية لبلدي، فإن أخذت ثمنا فليكن من ربي وليس من عبد أياً كان . وعلى نفس المنوال فإن كل الشهداء الذي دفعوا أرواحهم لله وللوطن وأهلهم المتعلمون والمثقفون والمؤمنون يعلمون ذلك تمام العلم، لذلك لم يقفوا ولم يطلبوا ببجاحة وفجاجة ثمن أجساد أبنائهم، فإن فعلوا ذلك فلن يكفيهم ملايين الدنيا ثمنا لهؤلاء الأبناء فلذات الأكباد وليس خمسون ألف تعويض و1500 جنيه معاش ، فما صرفوه عليهم أضعافا مضاعفة من مال وحنان وتربية وتنشئة وتعليم وثقافة وفناء أنفسهم نظير أن يروهم في أفضل مكانة وأحسن حال، هؤلاء هم أهالي الشهداء الثوار الحقيقيين.
أما على الجانب الآخر فهناك قتلى قتلوا وارتدوا كذبا ثوب الثوار وبالتالي أخذوا صك الشهيد، وحضر منهم ذويهم البلطجية ومن على شاكلتهم، فمن شكلهم ومن كلامهم ومن مسلكهم الفج ومن خلعهم برقع الحياء في المطالبة بالثمن كأنهم قد باعوا أبنائهم وأجسادهم نظير ثمن يقبضونه فهم لا يختلفون عمن يبيع أبنائه نظير ثمن يقبضه أو بيع جزء من جسده لرجل يملك المال نظير أن يقبض هو ثمن ذلك العضو الذي قُطع منه، وإن كانت الأوراق تقول أنه تبرع ولكن الحقيقة غير ذلك، لذلك فهؤلاء هم من تسببوا في تشويه الثورة ونثر البقع السوداء على وجه الثورة فهم لو كانوا آباء وأمهات أفاضل ما كانوا فعلوا ما فعلوه، وما كان مال الدنيا يعوضهم عما حدث لأبنائهم، فهم لم يكتفوا بما أخذوه بل يريدون أيضا شققا وأشياء أخرى تظهر مدى الطمع والفجاجة في أخذ الثمن. وهنا يثور السؤال : كيف قُتل هؤلاء ممن أُطلق عليهم زورا لقب الشهيد ؟ أقول لكم بطريقتان، الأولى هناك من دفعهم النظام السابق والشرطة الفاسدة للدخول إلى الميدان والاندساس وسط المتظاهرين والثوار الحقيقيين، وعندما تقوم الشرطة بالضرب يضربون معهم، وطبعا لحظة ضرب النار الرصاص "مش بينقي" ، ففي معترك المعركة سقط هؤلاء وبعضهم أيضا كان من قاتلي موقعة الجمل، فليس كلهم نجوا وهربوا، بل واجههم الثوار، فسقط من هؤلاء البلطجية قتلى احتسبوا زورا شهداء مع أنهم جاءوا ليقتلوا الثورة والثوار. أما الجزء الآخر أو الطريقة الأخرى فكانت ممن داهموا أقسام الشرطة وأحرقوها فلا يقدر أن يقوم بذلك العمل إلا هم، فقد كانت لديهم ضغينة تجاه الشرطة حان وقت الرد عليها، وفي ذات الوقت سرقة السلاح، فحدثت مواجهة بينهم وبين الشرطة التي تدافع عن الأقسام فسقط من سقط واعتبر بكل أسف شهيداً ، مع أنه للأٍسف جاء ليحرق ويقتل ويسرق ولا يحرر أو يدافع عن البلد، فهؤلاء كانوا في وقت سابق من أعوان النظام والشرطة الفاسدة ، وأداة طيعة لهم في ترويع الآمنين وتجهيز القضايا ليزجوا بالأبرياء نظير أن يُتركوا هم يعثون في البلد فساداً، إما بترويج مخدرات أو سرقة أو تزوير انتخابات أو السطو وتشويه سمعة كل بريء يريد النظام السابق وشرطة العادلي الفاسدة وصمه بالعار، هؤلاء هم من قُتلوا وسُموا زورا شهداء، ومن نجا منهم لا زال يعثى في الأرض والبلد بالفساد والترويع وسرقة الشقق والأراضي وقطع الطرق، وإحداث ذلك الإنفلات الأمني ثم تشويه الثورة وإخراجها من معناها السامي النبيل بعد أن تعاونوا مع أذناب النظام وفلوله إلى الآن ، ويفرضون سطوتهم تحت سمعه وبصر الشرطة التي لم تنظف نفسها بعد، والهيئة العسكرية للأسف تعلم كل ذلك ولا تحرك ساكنا. هذه هي الحقيقية، ولذلك ما أن نجحت الثورة حتى كانوا هم أول من وقفوا مطالبين بالثمن. كيف وقد شاركوا في قتل الثوار وكانوا أعوانا للنظام السابق وشرطته وقتلوا وسرقوا وتم تصويرهم فضائيا وهم يحملون الأجهزة والمقتنيات؟؟؟ فهم مثل المرتزقة المأجورين من قبل النظام، وماتوا، كيف نحولهم إلى ثوار وشهداء؟! وإن أردعم أن تعرفوهم عليكم بالتطلع إلى أهليهم، فمن هؤلاء خرج هؤلاء القتلى الذين لُقبوا زورا وبهتانا بالشهداء.
والآن يتم استخدامهم لإحداث تلك الأحداث والنعرات والاحتجاجات التي لن تتوقف ويستخدم أهل هؤلاء القتلى فلول النظام السابق كأداة لإحداث كل فتنة، فهم يتحركون بها وبأوامرهم. أتتذكرون حادث مسرح البالون ؟ أتتذكرون حادث ماسبيرو؟ وها هو الحادث الأخير يوم السبت حيث كانت الشرارة لما هو حادث الآن ، أي استخدموا هؤلاء للقضاء على أمل مصر في انتخابات حرة تعدل الهرم المائل، وتعطي الحرية وتصنع الدستور، وتكون بمصر دولة حقيقية ذات كيان ديمقراطي حقيقي نعتز به ونفخر أمام العالم المتقدم الذي يفخر بديمقراطيته ودولته، مع أنهم تعلموا معنى الدولة ومعنى الديمقراطية ومعنى الحكم ومعنى الولاء منا نحن المصرييين، فنحن أول من صنع الولاء، ومنه نشأ الكيان، ومن ثم تكونت الدولة ، ومن أساسياتها مبدأ الشوى الذي أسموه الديمقراطية. إذن فنحن الأول وبالتالي نحن الأولى . أما هؤلاء القتلى ، فيحاولون مدفوعين بأيادي الفلول ودعمهم لهم في إثارة الفتن والنعرات وإيقاف قطار الحرية والديمقراطية الذي انطق ولم ولن يتوقف مهما فعلوا هم أو من يدفعونهم ويدفعون لهم، لذلك أقولها بكل صدق أنهم ليسوا بشهداء ولكنها لعبة لعبوها علينا وارتدوا ثوبا غير ثوبهم، وللأسف نجح الأمر في البداية ومر وسط تعاطف الجميع وفرحتهم بالثورة وسقوط النظام. ولكن مع استمرارهم ومطالبهم الفجة وتأجيجهم للأحداث ظهرت حقيقتهم المخبأة. ألا تتذكرون أيضا إبان الثورة وما حدث من تهجم على المتحف المصري والمنشآت وسرقة ما فيها. وقد صورت ذلك القنوات الفضائية. هل رأيتم أشكالهم منهم من يحمل كرسي أو مروحة أو أغذية أو .......، هل بالله عليكم هؤلاء ثوار؟! هل هؤلاء يمكن أن نسميهم بعد مقتلهم شهداء ؟! إن هناك حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم معناه أن من يسرق شيئا يأتي به يوم القيامة مغلولا به، فكيف بالله عليكم يكونون شهداء؟! إنهم لن يضحكوا على الله ، ولكن أهليهم ضحكوا علينا، عرفتم يا أعزائي القراء الحقيقة أولها إيه وآخرها إيه ؟ لذلك يجب فرز هؤلاء وتجنيبهم حتى لا تشوه الثورة والثوار ويدنس الشهداء الحقيقون ويوصم أهليهم بالعار بعد أن يقال أنهم قد باعوا أبنائهم وأخذوا الثمن مهما كان ذا قيمة فهو بخس أمام شرف الشهادة الحقيقية أمام الله .
خلص الكلام .................
وإلى لقاء
الكاتب / طارق رجب
No comments:
Post a Comment