Sunday, 22 January 2012

خطاب أوباما فيه سم قاتل

ضرب آلي يا غالي .......للكاتب / طارق رجب
خطاب أوباما فيه سم قاتل
كلنا يا أعزائي القراء يتذكر خطاب أوباما في جامعة القاهرة، حيث بدا وسيما متألقا يبتسم في ثقة ، ولم لا ؟ وقد أضحى رئيسا وهو ما زال في ريعان الشباب، وليس رئيسا لأي دولة، بل رئيسا لدولة عظمى ذات حول وطول، لذلك وقف يتحدث وكله ثقة وكل كلمة كانت تخرج من فيه كأنها أمر أو حقيقة حادثة أو ستحدث، ولم لا والعالم بين يديه وطوع أمره، إن قال كان الرد من الكافة " سمعا وطاعة " ، وكان من بين ما قاله الوضع الفلسطيني والسلام العربي الإسرائيلي، وحدد الدولة الفلسطينية كدولة وإسرائيل كدولة، وكيف ستتوائم الاثنتان ، وكيف سيحدث الإندماج العربي الاسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي، وكان الرجل يتحدث ويعرف ما يقوله وحدوده، وإن هانت عليه عاصفة التصفيق والثقة والحبور في أمريكا ممثلة في أوباما، ذلك الفتى الهجين ذو الأصول الإفريقية الإسلامية، ونحن لا يعنينا مسيحيته أو إسلامه، فالكل يعبد ويسجد لله في نهاية المطاف، ولسنا أهلا لمحاسبته في أمر دينه أو ديانته،ولكن محاسبتنا له في أمورنا الدنيوية التي نقدر عليها ونعتقد أننا أهلا لها.
ثم بعدها انطلق الرجل إلى اسرائيل فوجدنا بعض التحفظ على كلماته ولحظتها شعرت بالقلق، ولكن من حولي طمأنني قائلا أنه عادي أن يكون رده وحديثه في تل أبيب متحفظا، ولكن قلت لهم ألم تنظروا إلى عينيه، ففيها الكثير والكثير، إن جفونه تهتز، إن ذلك الرجل لا شك يكذب، وإن الأمر لن يسير على ما تشتهون، ابتسم أحدهم قائلا " أنت كده كل حياتك مبنية على الشك والاحتمالات ونظرات العين والأحاسيس ، سيبك يا عمنا من الكلام ده ، الراجل أدامنا أهو حقيقة واقعة ، وتحدث أمام الجميع وأمام العالم أجمع، والكل رصد وسجل كلامه ، ولا يمكن أن ينكث وعده وما قرره واتفق عليه، ثم إنها سياسة دولة عظمى، لا يمكن فيها النكوث أو الرجوع ، هو أي واحد تحدث ، ده رئيس أمريكا ، وأمريكا دي إيه ، كلمتها سيف على الكل" ، قلت سوف نرى ، وأنا أهو ، وأنتم أهو " ، رد أحدهم : " أنت كده ، بتوقف المراكب السايرة " ، قلت " أفلح إن صدق" ، وعاد إلى أمريكا ثم كانت زيارته لأندونسيا التي تعلم فيها وسار وتجول في أنحائها ولكن كان نور عينيه ولمعانها قد انطفأ، وكان قد دخل المعمعة وانتهى الأمر ، فكانت أحاديثه مقتضبة، وتحدث عن محاولة دفع عملية السلام و..و..، ثم سُأل عن المستوطنات فكان رده حازما " إنها لابد وأن يتم التوقف عنها ريثما يتم تفكيك الباقي من خلال المفاوضات" ، وما أن عاد حتى انقلبت الدنيا عليه رأسا على عقب ، وانزوى الرجل وخرجت أثنائها هيلاري كلينتون تتحدث مؤكدة ما قاله أوباما،وأن على اسرائيل والنتنياهو وليبرمان أن يعوا القول ، وأن أمريكا الأمس غير أمريكا اليوم، وصمت النتنياهو وارتجف، وبدأ اللوبي يتحرك، ويتحدث بدلا منه، وهو اكتفى بالصمت المطبق.وإن ترك وزير خارجيته ليبرمان يتحدث، فهو يعرف أن الجميع يعلم سلاطة لسانه فتركه ليجرب وينتظر رد الفعل، فكان الرد الإصرار الأمريكي على توقف المستوطنات، وإن كان الإصرار هذه المرة شابه نغمة تريث وهدوء مغلفة بالرجاء لإسرائيل بالتوقف فتشجع النتنياهو وأدرك أن رجال اللوبي قاموا بما هو منوط بهم ، وعليه الآن الدور في التحدث وتحدث وتحدث رافضا التوقف عن البناء الاستيطاني بحجة أن ذلك هو النمو الطبيعي لاسرائيل، فماذا يفعل المستوطنين المقيمين في ذات المكان بالقدس ، وهم يتزايدون ولابد لهم من مأوى ومكان إقامة وأخذ يستدر العطف، وبدأت أمريكا تلين وتتراجع وتحول الإصرار إلى رجاء للتوقف عن البناء لمدة ستة أشهر ريثما تعود المفاوضات إلى مجراها الذي كان، ولكن كان الفلسطينيون قد امتلئوا غيظا وتحول ذلك الغيظ إلى صدمة جعلتهم يقررون التوقف نهائيا عن المفاوضات ريثما يتحقق المطلب الفلسطيني ولكنه رفض المطلب وكان ما كان، وبدأ أوباما ينحدر ويهبط إلى أسفل حتى وصل وأوصل الفلسطينيين إلى أن يقرروا عرض قضيتهم على الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وكانت للثورات العربية وخاصة المصرية عظيم الأثر في ذلك، وزيادة في قوة الدفع، فكان من ضمن محاولات إسرائيل ليس الضغط على القيادة الأمريكية فحسب، بل الضغط على العميل المصري مبارك بأن عليه أن يؤدي دوره المنوط به في تجميد القضية وتمييعها وإدخال القوى الفلسطينية في صراعات ما بين فتح وحماس، وكان لسليمان رايح جاي دوره المؤثر في إحباط الهمم، ودق الأسافين بين الفصيلين الكبيرين، وتحويل القضية من قضية أرض ودولة إلى قضية أسرى وفقط، وعمل مقايضة بين الأسير جلعاد شاليط الجندي الذي لا قيمة له وعدد من الفلسطينيين المجاهدين، وقام سليمان مستقلا طائرة رايح جاي، ومصاريف ومفاوضات لو تم حسابها وتقدير قيمتها بالنسبة لذلك الأسير الذي لا يساوي في دنيا المال شيئا ، وهذا الكم الكبير من الفلسطينيين الذين يقتلون يوميا وخاصة في عملية الرصاص المصبوب أبان مدام سلفي التي كانت جالسة مع العميل مبارك في شرم الشيخ لتطلعه على خطة الحرب على غزة.
كل هذه الأحدث حدثت وكانت إسرائيل وأمريكا هانئتين بما يحدث إلى أن حدثت الثورة المصرية، فانقلبت المناضد وتغيرت الرؤى،ووقع الإسرائيليون وكذلك الأمريكان في (حيص بيص) وتجرأ الفلسطينيون بعد أن خف الضغط المصري ممثلا في العميل مبارك، إلى جانب أن عباس وجد تأييد من الشعب المصري ، وفي ذات الوقت الشعب الفلسطيني يريد ذلك مهددا إياه : إن لم تتحرك يا عباس ستنداس، فخاف الرجل وتجرأ وتحرك ، وقال مطلبه الذي أرى أن هناك من شجعه عليه وأيده فيه، وأولى هذه القوى مصري بطبيعة الحال، وتحدث الرجل وطلب وتشجع ، وبعد ذلك أتاه التأييد المتوالي من دول أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص معترفة بالوطن الفلسطيني فكان ما كان، هنا قامت إسرائيل وقررت فعل شئ ولكنها فشلت في كل المحاولات، سواء استفزاز مصر على الحدود حيث انقلب الوضع عليها، ثم جاء التقرير الفج من الأمم المتحدة في قضية السفينة التركية، فانقلبت تركيا عليها أيضا، ثم حاولت اللعب مع غزة وفصائلها وتحريك بعض أعوانها الخونة هناك ليطلقوا صواريخهم حتى تجد المبرر المقنع للرد والهجوم، ولكن فطنت الفصائل الفلسطينية للعبة، وتم إحباطها، ووأدها في مهدها ، لم تجد إسرائيل في ذلك الحين أي طريق تسلكه لمنع الأمر إلا الحيطة الواطية التي تملكها، وهي للأسف أمريكا، فتحرك اللوبي ضاغطاً على أوباما الذي كان خلاص قد تفسخ وأضحى في غاية الضعف والوهن، خصوصا بعد هزيمة الديموقراطيين في المجلس، وسيطرة الجمهوريين الذي أخذوا يخطبون ود إسرائيل للفوز بتأييدها لمرشحهم في الانتخابات القادمة ، هنا ازداد السكوت الأوبامي، وشعر أن الأرض تميد من تحته وأنه يكاد أن يغرق، ناهيك عن ذلك الصراع الخفي بين أوباما وهيلاري كلينتون، فهي لا تقبله في حقيقة الأمر،فهي كانت منافسته في موقع الرئاسة، ووجدتها فرصة مواتية لها في انحدار شعبيته، فقررت إمساك العصا من المنتصف لترى ، فإن سقط أوباما نتيجة ضعف شعبيته، اندفعت هي للترشح، ولكن الرجل فطن للأمر وكان لزوجته كل الفضل في ذلك، فنصحته بالتريث ومحاولة لم الأمر، خاصة أنه يادوب خارج من مطب سقف الدين الأمريكي، ومعاكسة الجمهوريين له حتى تم الأمر في النهاية ،وأنه لا يجب عليه الضرب في كافة الاتجاهات، إلى جانب أنه من غير المستبعد أن يكون هذا الاتفاق بينه وبين الجمهوريين على سقف الدين هو جزء من خطة الوقوف أمام العزم الفلسطيني لإقامة الدولة والاعتراف بها في مجلس الأمن والأمم المتحدة ، خاصة إذا عرفنا أن أمر إعلان الدولة كان يعلم به الجميع من قبل مشكلة الدين الأمريكي، لذلك أرى أنه قد حدث نوع من المقاصة بين أوباما والجمهوريين ومفادها أن يوافقوا على رفع سقف الدين مقابل رفض الإدارة الأمريكية دعمها لإقامة الدولة الفلسطينية والتهديد بالعقوبات عليها إن فعلت ذلك خاصة بعدما خرج الحلفاء الأوروبيون شاذون عن الطوق بعد أن شعروا أنهم قد كبروا ولم تعد الوصاية الأمريكية تجدي معهم نفعا، وخاصة فرنسا التي شعرت أنها قد عادت شابة فتية من جديد.فكانت فرنسا ساكوزي تتحول داخله إلى منعطف بونابارتي حديث وكان دورها وجرائتها في تحمل عبء الدخول في ليبيا والإطاحة بالقذافي ثم تبعتها إنجلترا متجرئة بعض الشيء وإن كانت لا زالت متأرجحة بين الاستقلال بالرأي بأن يكون رأيها من رأسها ولا تأخذ رأي ماما أمريكا كما تعودت، لذلك كان لابد وسط كل هذه التداعيات أن ينتكس أوباما ويعيد جدولة أوراقه التي أخذت تتطاير ورقة خلف ورقة ، وأضحى قاب قوسين أو أدنى من السقوط المدوي ، والكل يريد له ذلك، حتى من هم داخل الحزب الديموقراطي نفسه، بل ومن تشاركه القرار الأمريكي ذاته وهي مسز هيلاري كيلنتون.
ألم أقل لكم يا أعزائي القراء أن القضية شديدة وعصيبة ، لذلك لم يجد أوباما إلا الامتثال للأمر الواقع والتسليم لاسرائيل دون قيد أو شرط، وقلب لسانه ليتحدث بلسان الإسرائيليين خاطبا ودهم من جديد، وصاحبنا الإسرائيلي ( نتنياهو ) على ثقة ويبتسم بينه وبين نفسه، ويقول : إن العجل الأمريكي قد وقع، ولم يبق على الجزار الإسرائيلي إلا البرك عليه ووضع السكين على رقبته وهو يقول : ها ... حتنفذ ولا أذبح...؟.فسلم أوباما وانتهى الأمر ، وذهب واقفا مهتزا أمام منصة الأمم المتحدة يتحدث ويقول إن إسرائيل أمن أمريكا، وإسرائيل أمي وأبويا واللي جابوني، وإن الفلسطينون أخطأوا في محاولة عرض قضيتهم بهذا الشكل،وأن المفاوضات هي الحل الوحيد، ولم يتطرق إلى من هو السبب في توقفها أو عقمها من الأصل، ولكن الرجل كان يتحدث وهو مغيب كأنه كان متناولا حبوبا للهلوسة أو مانطلق عليه حبوب الصراصير حتى يقدر أن يواجه ويتحدث بذلك الحديث الذي إن قعد مع نفسه بعدما يفيق من تلك الهلوسة لقام بقتل نفسه على انحطاطه الأخلاقي الذي أضحى عليه، فشتان الفرق بين أوباما قبل الوصول إلى الرئاسة، ذلك الرجل الخلوق الذي أيده كل الشعب الأمريكي، وقال لحظتها فرحا بثقة : " لقد فعلناها ونجحنا " ، وبين أوباما اليوم الذي قال للنتنياهو بعدما انتهى من خطابه أمام الامم المتحدة أديني قد فعلتها عليك بقى تجهيز رجالتك في اللوبي إياه لإعادة ترشيحي للرئاسة مرة أخرى، فابتسم النتنياهو بخبث : لسة ... بعد الرفض في مجلس الامن
رد أوباما / ما أنا قلت ذلك أمام الجميع مهددا إياهم
رد نتنياهو: لما نرى فهاكم فرق بين القول والفعل فلتفعل لنرى
خفض أوباما رأسه وهزها وقد تصبب عرقا وقال : " أوكيه ، سنرى ...
لا أجد يا أعزائي القراء بعد هذا الرد أي قول فهل لدى أحدكم كمالة ، وإن لم يكن لديكم هذه الكمالة فسوف ترون كمالتي في مقالي القادم.
والآن خلص الكلام مؤقتا
وإلى لقاء.
الكاتب / طارق رجب

No comments:

Post a Comment